الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

عبد العزيز صميدة الشهيد القدوة (في ذكراهم لن ننساهم)


م. رضا الشافعي

عاش فى الدنيا بجسده ولكن روحه كانت هناك فى السماء متعلقة بعرش الرحمن ، رفضت هذه الروح الطاهرة ان تنزل معه إلا لتشارك هذا الجسد الطاهر فى اعمال الخير التى كان يؤديها الشهيد وينتهى منها ولا يشعر به أحد حيث ترجع هذه الروح الطاهرة لتحلق حول عرش الرحمن تسبح وتذكر ربها فى خشوع وتبتل .
تعايشت مع الشهيد عبدالعزيز صميدة ثمانية سنوات علمت عنه كل شئ وتعلمت منه درسا لن أنساه ، ولم تكن الدروس نظرية وانما هى دروس عملية من واقع أحداث الدنيا وهذا الدرس هو عنوان لكل اعماله وهو (عيش فى الدنيا بجسدك وكن مع الله بروحك ) وحتى نتعايش هذا الدرس ونفهمه ونطبقه فى حياتنا احب ان أذكر بعضا من صفات الاخ الشهيد عبدالعزيز صميدة علنا نقتدى بهذا الشهيد ابن الواحد والثلاثين سنة .
عاش الشهيد عبدالعزيز صميدة طالبا لمعالى الأمور دائما ، فقد تقدم لحج بيت الله وقد وفقه الله لصدقه وحصل على تأشيرة وذهب حاجا لبيت الله الحرام ، وهناك أدى الحجة المبرورة كما علمه النبى – صلى الله عليه وسلم – فأتى بجميع الأركان وكان حسن الاخلاق مع مرافقيه فى هذه الرحلة العظيمة التى سبقت استشهادة بعشرة شهور فقط .
عاش طيلة حياته معظما لشهر رمضان فكان يعتكف فى العشر الاواخر منه ، كان يقيم ليالى هذا الشهر الكريم خلف امام يقرأ ثلاثة أجزاء ليختم فى العشر الاواخر ومع ذلك كان نموذجا فى المجئ لعمله أول الحاضرين ، وكان يحرص طيلة الثمانى سنوات الاخيرة من عمره على افطار الصائمين فكان يحضر المئات من زجاجات المياه ويبردها بالثلاجة ثم يذهب بها قبيل المغرب ليوزعها على السيارات حتى يفطرعليها الصائمين .
عاش الاستاذ عبدالعزيز طيلة حياته وعلى وجهه ابتسامة الرضا ، لم تفارقه هذه الإبتسامه أبدا مهما حدث إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله ، فتتبدل هذه الإبتسامه بحمرة شديدة فى وجهه الطاهر ، فمن يعرف الشهيد عبدالعزيز ويراه على هذه الحالة يعرف أنه قد غضب لحرمة من حرمات الله قد انتهكت وليس غضبا على شئ دنيوي قد حدث.
عاش وهو ابن الواحد والثلاثين عاما مربيا لإجيال من الشباب ، فكان يجالس هؤلاء الشباب تاليا معهم القرآن وشارحا لهم سنة النبى – صلى الله عليه وسلم – مدرسا لهم احوال وتاريخ الامة الإسلامية ، فكانت شهادة هؤلاء الشباب انهم يتعلمون من مربى يؤثر العمل على الكلام .
عاش وهو اصغر اخوانه واخواته وصالا لهم ولرحمه ، فلم يترك مناسبة من المناسبات إلا وهو أول المتواجدين فيها بين اهله وأقاربه ، لم يترك زيارة لمريض وان بعدت عنه المسافات ، لم يترك جنازة إلا وهو أول المتقدمين فيها ، لم يترك فرحا او عرسا او زيارات فى الأعياد إلا وتجده فيها ، وكان يعيش هذه اللحظات التى يقضيها بين اهله بوجهه البشوش وابتسامته التى يملئها الرضا فيدخل السرور والامل والحب على أهله واخوانه واخواته .
عاش مصلحا بين الذين يتخاصمون ، وكانت كلماته التى يرددها دائما فى مثل هذه المواقف ( الناس لو تعرف اللى عند ربنا ..... الناس هتاخد من الدنيا ايه ) وكان يوصى دائما بان يتنازل صاحب الحق بعض التنازل حتى يتم الصلح ويذكرهم دائما بالاجر من الله .
عاش بين جيرانه معاونا لهم ، فكان اول من يواجه مشكلات الشارع الذى يعيش فيه ، فإذا تطلب الامر مالا لحل مشكلة فكان هو أول من يدفع هذا المال ثم يجمعه من جيرانه بنفس راضية وابتسامته الجميلة فكان يدفع من يدفع ومن لم يستطيع الدفع أو تكاسل لم يكن يطالبه بل كان يكرر نفس الفعل لو حدثت أى مشكلة ولو بعد يوم او أسبوع .
عاش بارا بأمه برا ملئ عليها حياتها ، لم ينس أبدا الدعاء لوالده الذى غاب عن الدنيا وهو ابن الخامسة من عمره ، بل كان دائم الزيارة لقبره ليدعو له هناك حيث لا مال ولابنون ،فكان هو الإبن البار بأبيه بعد موته .
عاش شهيدنا زوجا وفيا بارا بزوجته التى شاركته ثلاث عشرة سنة ، لم يغضبها فيها يوما واحدا ، علم زوجته كيف يكون الجهاد فى الحياة وكيف تكون الحياة الكريمة وكيف تكون مواجهة صعاب الحياة ، علمها الصبر والمثابرة ، علمها الإقتصاد والبذل لله ، عاش زوجا مرحا مداعبا ذكيا طيب العشرة ، لينا بشوشا ، ربى أولاده عمر ويوسف واحمد على الرجولة واطعمهم حلالا مصفى ، علمهم الرجولة منذ نعومة أظفارهم فهذا عمر ابن الإثنى عشر سنة ويوسف ابن الثمانى سنين يقفوا بجوار ابيهم فى الحقل يحملون فؤوسهم ويشقوا بها الأرض شقا ليتعلموا أن الرزق الحلال هو الذى تتعب فيه وترويه بالعرق ، رباهم على حب القرآن وعلى الشجاعة فكانت آخر كلماته لإبناءه انه يتمنى الشهادة وقد كان صادقا مع نفسه ومع أولاده وزوجته فنال الشهادة .
عاش الأستاذ عبدالعزيز ، وأكرر كلمة الأستاذ عبدالعزيز لأنه بأدبه وسمو أخلاقه أجبر الجميع على تلقيبه بالأستاذ عبدالعزيز على الرغم من صغر سنه فكان بحق (أستاذ) ، عاش متقنا لعمله فقد عمل امين مخزن فى شركة ملابس وشهد له أصحابها بالامانة واتقان العمل ، وعمل محاسبا بشركة لمدة ثمانية اعوام فكان نعم المحاسب المتقن عمله ، الحريص على ان يبذل كل دقيقة فى عمل يفيد الشركة ،كان محبا لزملاءه فى العمل مقدما لهم كل مايحتاجون من عون بقلب محب لهم وبإبتسامة ملؤها الحب والإخلاص ، كان متفانيا فى عمله منضبطا فى مواعيده ، كان يستطيع بكل مهارة وجدية التوفيق بين عمله وبين حقله فلم يهمل يوما ما لا فى عمله ولا فى مراعاته لحقله ، شهد له جميع من تعامل معه بانه (ملك من الملائكة كما يعبر المصريون عن مدى سمو اخلاقه) فسكبت الدموع سكبا من كل من تعامل معه ولو لمرة واحدة بعدما علموا بخبر استشهاده .
عاش الشهيد عبدالعزيز صميدة مشتاقا للجنة ، فمنذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير وهو فى صفوفها الاولى مدافعا عن حق بلاده التى اغتصبها الفاسدون ، لم يخف يوما ولم يتردد أبدا ، شارك فى موقعة الجمل الشهيرة فقد ظل فى الصفوف الاولى لمدة ثمانية عشرة ساعة هو واخوانه من الثوار يواجهون بصدورهم العارية زحف البلطجية الذين يحاولون دخول ميدان التحرير ولكنه تصدى لهم هو وثوار مصر الاحرار فكان النصر والتأييد من الله لهم ، شارك فى احداث قصر الإتحادية حماية لشرعية الشعب المصرى فكان دائما فى الصفوف الأولى ، ثم يأتى ويعاتب نفسه بصوت عال ويقول لسه ربنا لم يخترنى شهيدا .
رابط الشهيد عبدالعزيز صميدة مع المرابطين بميدان النهضة فكان يبيت بالميدان ثم يخرج لحقله ثم يذهب لعملة بهذا الترتيب بصورة يومية ، ولم يستطيع أحد أن يثنيه عن هذا الرباط أبدا ، وقبل استشهاده بأسبوع واحد جهز مائة شنطة من شنط رمضان وقام هو بنفسه بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين ، اخرج زكاة الفطر ، احضر الذرة الخضراء من حقله ووزعها على أهله وجيرانه وزملاءه فى العمل وذلك قبل استشهادة بيوم واحد .
وفى ليلة استشهاده قام الليل مع المرابطين بميدان النهضة وجلس فى الليل يقرأ القرآن وهو يمسك بكشاف تليفونه ليضئ له حتى يستطيع القراءة ، ثم غادر الميدان بعد صلاة الفجر ليذهب لحقله ثم لعمله ، لم يسترح بعد عودته لبيته دقائق حتى شاهد أحداث الفض لميدان رابعة والنهضة ، فهب للحظته وأوصى زوجته وأولاده ، ترى هل اوصاهم بدنيا زائلة لا ؟ لقد اوصاهم بالله وعرف زوجته بما له وما عليه واخبرهم بانه خرج يريد الشهادة .
لقد عاش الشهيد عبدالعزيز صادقا فى كل شئ ، صادقا فى علاقته وبره مع امه ووالده المتوفى ، صادقا فى علاقته الزوجية مع زوجته وأولاده ، صادقا فى علاقته الطيبة مع أهله وجيرانه واخوانه ، صادقا فى دعوته وحبه لدينه ولربه ولنبيه ، كان صادقا ومتقنا فى عمله ، صادقا فى حبه للنبى – صلى الله عليه وسلم – حتى انه راى النبى فى منامه وهذا ما حكاه بعض اصدقاءه الذين كانوا يبيتون معه أيام الكلية ليذاكروا سويا : فقد راى نورا يكسو وجه عبدالعزيز وهذا قبل صلاة الفجر فسأله هل رأيت رسول الله فى منامك ؟؟ فقال من قال لك ؟؟ قال له صديقه وجهك مضئ ومنور بشكل غير عادى !! فقال له عبدالعزيز نعم رأيت رسول الله ولكن لا تحدث بها احد !!!.
صدق الله فصدقه الله ،ففى يوم 14 أغسطس 2013م ، تقدم الاستاذ عبدالعزيز ليواجه جحافل البلطجية بصدره العارى منذ الساعة الثامنة صباحا بميدان مصطفى محمود وقد خرج هو واخوانه ومن خرج من المصريين فى سلمية تامه ليعترضوا على الطريقة الوحشية التى تفض بها الميادين ، واجه البلطجية بشجاعة أذهلت من حوله حتى ان من حوله حاول ارجاعه أكثر من مرة ولكنه يأبى ، ظل الأستاذ عبدالعزيز على هذا الحال مايقرب من خمس ساعات وهو فى الصفوف الاولى حتى نالته رصاصات الغدر من القناصة الذين علوا أسطح العمارات المواجهة لميدان مصطفى محمود .
ارتقى الشهيد عبدالعزيز صميدة لربه وحقق ما يريد وما عاهد عليه الله طيلة حياته ، صدق الله فصدقه ، مشهد مهيب عندما وصل جثمانه الطاهر ليصلى عليه أجهش الجميع ببكاء شديد فالشهيد لم يكن شخصا عاديا عاش بين الناس ، بل كان روحا يسرى بين الناس وقرآنا يسير بين الناس .
فحق لك يا شهيدنا ان تنال هذه الدرجة التى وعدك الله بها :
قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً

وهذه بعض نصائح الشهيد عبدالعزيز صميدة والتى كتبها بخط يده وكان يقرأها ويذكر نفسه بها دائما:

عبد العزيز صميدة الشهيد القدوة (في ذكراهم لن ننساهم)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق