الأربعاء، 11 سبتمبر 2013

د. أحمد نصار يكتب: مصير الانقلاب بين الحل الأمني والحل السياسي


د. أحمد نصار

هناك عدة حقائق أحب سردها في البداية كي نبني عليها هذا التحليل:

1- إذا استمر الوضع على ما هو عليه فإن مصر مقبلة على انهيار اقتصادي، والأرقام لا تخطئها عين.

2- حدوث انهيار اقتصادي - بمعنى أن تكون الحكومة عاجزة عن دفع الرواتب أو حدوث نقص شديد في السلع التموينية أو ربما إعلان إفلاس مصر رسميا في مرحلة متقدمة – يهدد بانفجار الشارع في وجه الانقلابيين وانتهاء الانقلاب شعبيا!

3- لتفادي هذا السيناريو الأسود لا يكفي الحل الأمني فقط ولا بد من حل سياسي، فخسائر الحل الأمني -من الطوارئ وحظر التجوال وإيقاف حركة القطارات خوفا من زحف الملايين على العاصمة واحتلال الميادين بالدبابات خوفا من التظاهرات وإطلاق الرصاص على الناس في الشوارع وانهيار السياحة وهروب المستثمرين - تفوق بأضعاف مضاعفة المساعدات الخليجية.

4- أي كلام عن حل سياسي بدون فصيل مهم في الشارع المصري – بل صاحب الأغلبية في خمس استحقاقات انتخابية – هو كلام فارغ لا طائل منه.

5- في حالة حدوث حل سياسي يدرك الإنقلابيون أن أنصار الرئيس يتفوقون عليهم بميزة لا يمكن لهم أن يتجاوزوها وهي "الشرعية". فمهما شيطن الانقلابيون في الرئيس مرسي و في الإخوان يبقى الدكتور مرسي هو الرئيس المنتخب ديمقراطيا ويبقى هم "انقلابيون". وإذا استطاعوا خداع قطاع من المصريين بأن هذا ثورة وليس ليس انقلابا فلن يمكنهم خداع دول العالم التي لم تعترف بهم اللهم إلا خمس دول لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.

***

من أجل ذلك سعى الإنقلابيون منذ اللحظة الأولى إلى إيجاد "شرعية" لهذا الانقلاب. والشرعية كما يعرفها الكاتب الأميركي جين شارب في كتابه القيم ضد الانقلاب: هي حقهم الأخلاقي والسياسي في الحكم. وقد كانت مظاهرات 30 يونيو فرصة مثالية لذلك إلا أن نزول مظاهرات تفوقها عددا وأطول زمنا دحض هذه الحجة، وقد حاول السيسي استجدائهم للنزول مجددا ولكنه فشل.

سعى الإنقلابيون للحصول على هذه الشرعية عبر اعتراف أنصار الشرعية أنفسهم بهم فتنتهي المشكلة، فطلبوا من الرئيس أولا الاستقالة فرفض. ثم طلبوا من أنصار الرئيس إنهاء الاعتصام والانخراط في عملية سياسية على أساس الأمر الواقع، بل ووصل الأمر إلى عرض عدة وزارات عليهم في بداية الانقلاب (وطلبوا الدكتور باسم عودة بالاسم).

جاءت كل المبادرات الخارجية بهدف الضغط على أنصار الشرعية بقبول الأمر الواقع فرفضوا، الأمر الذي دفع السيسي إلى الاستنجاد بالولايات المتحدة علنا في حواره الشهير مع الواشنطن بوست كي تضغط على الإخوان لقبول السلطة وقد فشلوا في ذلك أيضا.

قرر الإنقلابيون أنه لن يمكن تحقيق انتصار سياسي إلا إذا تساوت الرؤوس. وإذا رفض أنصار الشرعية الاعتراف بالأمر الواقع فليس أقل من اكتساب شرعية موازية لشرعيتهم حتى إذا جلسوا إلى مائدة التفاوض يوما ما تتساوى الرؤوس. واكتساب هذه الشرعية الموازية إنما يكون بانتخاب برلمان جديد بدلا من الذي حلوه، ودستور جديد بدلا من الذي عطلوه، ورئيس جديد بدلا من الذي عزلوه واختطفوه. كل ذلك في ظل إقصاء للفصيل المزعج الذي تفوق في جميع الاستحقاقات الانتخابية حتى تكون العملية ديمقراطية و مضمونة النتائج.

ساعتها وبعد حدوث ذلك – ربما خلال عام فالأوضاع الاقتصادية شديدة الصعوبة – سيتم طرح مبادرة سياسية لحل الأزمة بأن يعود الجميع خطوة للوراء فيتنازل أنصار الرئيس عن شرعيتهم الأصيلة مقابل أن يتنازل الإنقلابيون عن شرعيتهم الجديدة، والبدء في عملية سياسية جديدة ومصالحة وطنية وهذا هو الحل السياسي الذي تكلمنا عنه في النقطة 4. وقد جداء انسحاب البرادعي وخالد داوود انتظارا للدفع بهم في هذه اللحظة

حتى ذلك الوقت يحاول الإنقلابيون أن يقوموا بعدة خطوات في الداخل والخارج:

أ‌- القبض على قيادات الجماعة وربما الشروع في حل الحزب والجماعة والجمعية حتى يكون العودة عن ذلك ورقة في يد الانقلابيين تعرض على
مائدة التفاوض.

ب‌- ترميم حاجز الخوف عند المصريين الذي كسر في 25 يناير لضمان عدم دخولهم على خط المواجهة مجددا ( ويبدو أنهم فشلوا في ذلك تماما)

ج الإسراع بمحاصرة المقاومة في غزة وهو شيء لا يمكن أن يحدث مستقبلا في حالة وجود الإخوان على رأس السلطة أو حتى كجزء من الحكومة.

د الإسراع بالتدخل في سوريا لرسم مشهد ما بعد بشار وهو ما كان شديد الصعوبة مع رفض الرئيس مرسي القاطع لذلك. (ولمن لا يدرك قيمة مصر في أمر كهذا ينبغي أن تتذكرو أن الحكومة المصرية منعت إسرائيل من اجتياح غزة في الشهور الأولى لحكم الرئيس مرسي)
***

لماذا دعمت الولايات المتحدة الانقلاب؟

لأنه برغم الحالة الصعبة التي كان يمر بها الاقتصاد المصري إبان حكم الرئيس مرسي إلا أنه استطاع خلال عام أن يخطو بخطوات مهمة على طريق الاستقلال الوطني عن التبعية للولايات المتحدة – ولاسيما في مشروع الاكتفاء الذاتي من القمح. فكان لابد من توجيه ضربات قوية للاقتصاد المصري تجعل لا غنى له عن الغرب وتجعل فرصة استقلاله عن الولايات المتحدة – حتى إذا عاد مرسي نفيه للحكم – مستحيلة. وهو ما يحدث الآن.

هنا لا يدرك السيسي حقيقة مهمة وهي أنه بنزيف الدماء التي سالت على الأرض لن يحدث أي حل سياسي دون أن يدفع أحد ثمن هذا الجرم! ولن تجد الولايات المتحدة أمامها كبش فداء إلا السيسي ذاته.

***

الحل:
1- استمرار المظاهرات في الشوارع يعرقل خطة الانقلابيين في اكتساب الشرعية الموازية التي تحدثنا عنها.

2- انضمام أطياف جديدة من المصرين إليها من الذين أفاقوا بعد تفويض يهدد بانهيار النظام الانقلابي قبل حدوثه على الشرعية التي تحدثنا عنها.

3- عدم القبول بحل سياسي على أساس الأمر الواقع يعني الاستمرار في الحل الأمني مما يطيل أمد الأزمة وبقاء الدبابات في الشوارع مما ينذر بالسيناريو الأسود الذي تحدثنا عنه سابقا وهو انهيار الاقتصاد تماما وانفجار الشارع في وجه الانقلابيين نتيجة العجز عن دفع الرواتب أو نقص شديد في السلع التموينية.

إنها معركة عض أصابع والنصر فيها لمن يثبت أنه أطول نفسا وأكثر صبرا وأعمق إيمانا بقضيته.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق