الاثنين، 23 سبتمبر 2013

د. رفيق حبيب يكتب خيرت الشاطر.. عندما يغيب القانون بقلم



نافذة مصر
نعيد نشر مقال رائع للمفكر القبطي الدكتور رفيق حبيب والذي تحدث فيه عن غياب دولة القانون , وغياب الشاطر خلف السجون , المقال منشور بتاريخ 6 مارس، 2010‏،
خيرت الشاطر أكمل في سجون النظام ما يزيد على عشر سنوات، وما زال خلف القضبان، يدفع ثمن غياب القانون، وغياب الحرية.

هو نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، والقيادي البارز، والحركي النشط، ورجل الأعمال المتميز.. خيرت الشاطر، وهو نموذجٌ للكادر السياسي والاقتصادي والاجتماعي النشط؛ الذي لا يعرف الاستسلام.
قضي حياته في العمل الجادِّ، والنشاط المستمرِّ، فأصبحت له مكانةٌ خاصةٌ في المجتمع، وفي جماعة الإخوان المسلمين، وقد أخذه النظام رهينةً خلف القضبان؛ مرةً بالاعتقال ومرةً بالأحكام العسكرية، وكأنه اختِيْرَ ليدفع ثمن النضال من أجل الحرية، ورغم ظروفه الصحية المعقَّدة، ما زال النظام يصرُّ على التمادي في ظلمه هو وإخوانه.. هي الخصومة التي لا تعرف قانونًا يحدُّها، فهي خصومةٌ خارج إطار القانون، بين السلطة الحاكمة وجماعة الإخوان المسلمين وكل القوى النشطة والحية.
لم يكن ممكنًا تغييب خيرت الشاطر كلَّ هذه السنوات دون تغييب القانون أولاً، فلا يوجد قانون يحاكِم على فكر أو رؤية، ولا يوجد قانون يسمح بالتخلُّص من الخصوم السياسيين خلف القضبان، ورغم كل ما في القانون المصري من مشكلات، وما في نصوص الدستور من تعارض فإن القانون والدستور في مصر لا يسمحان بسجن صاحب الرأي أو صاحب الموقف؛ لذا لم تُعرض قضية خيرت الشاطر وإخوانه على القانون وأمام القاضي الطبيعي، فلا توجد جريمة إذا حمل شخصٌ رؤيةً وعرضها على الناس، ولا توجد جريمة في ممارسة النشاط الاجتماعي والاقتصادي والدعوي والسياسي، فكلها أنشطةٌ مشروعةٌ يحقُّ لكل مواطن ممارستها.

وليس صحيحًا أن جماعة الإخوان المسلمين محظورة؛ لأن قرار الحظر الأول لها من قبل جمال عبد الناصر في أوائل عام 1954م قد أُلغي بعد ذلك، وقرار الحظر الثاني لم يصدر أصلاً، ولم تستطع الحكومة تقديمه أمام محكمة القضاء الإداري، عندما رفع عدد من قيادات الجماعة قضيةً ضد قرار الحظر، فلا يوجد قرارٌ للطعن عليه، وكأن الحظر شفويٌّ، ولا يوجد قرار بالحظر يستمر للأبد، فحالة الحظر لأي نشاط ترتبط بسبب معين، وبعد زوال السبب ينتهي الحظر، أو إذا كان القرار خطأً من البداية فسوف يلغيه القضاء.

وليس صحيحًا أن جماعة الإخوان المسلمين تحتاج إلى رخصة حتى تعمل طبقًا للقانون المصري؛ فهي تمارس نشاطها بوصفها حركةً اجتماعيةً؛ أي مجموعة من الناس تمارس نشاطًا مشروعًا بصورة جماعية، وهو ما يكفله الحق في التنظيم، وهو حقٌّ متاحٌ للجميع، ولا يوجد قانون يمنعه.

وإذا كان العمل الخيري يحتاج إلى ترخيص جمعية، فجماعة الإخوان تمارس عملها الخيري من خلال الجمعيات القائمة والمساجد، وعندما أسست جمعيات لتمارس من خلالها عملها الخيري، تمَّ حلُّها من قِبَل السلطات.

وإذا كان التنافس للوصول للسلطة يحتاج إلى ترخيص حزب، فجماعة الإخوان المسلمين لم تعمل حتى الآن للتنافس على السلطة، ولهذا تقدم مرشَّحيها مستقلين، كممثلين عن تيار فكري في المجتمع، ولا يوجد في القانون أو الدستور ما يمنع من تمثيل بعض الأفراد لتيار فكريٍّ معين، ولا يوجد ما يمنعهم من اعتبار أنفسهم كتلةً، ولا يمكن طبقًا للدستور والقانون منع النشاط الجماعي المتاح للأفراد، فما يباح للفرد بدون ترخيص يباح أيضًا لمجموعة تقوم بنفس النشاط ولكن بشكل جماعي.

فلا توجد مشكلة قانونية؛ لأنه إذا كانت هناك مشكلة قانونية كان من الممكن حلُّها، ولكن المشكلة في الخصومة السياسية للسلطة الحاكمة تجاه جماعة الإخوان المسلمين.. تلك الخصومة التي يستخدم فيها النظام أدوات الأمن والاعتقال والتغييب والمصادرة خارج الإطار القانوني، وغياب القانون يولِّد حالة احتقان؛ لأنه يعني فقدان الشعور بالأمن، فبدون سيادة القانون يشعر المجتمع بفقدان الأمن، وتشعر القوى الحية بفقدان الأمن، وهو شعورٌ يولِّد حالةَ احتقان داخل المجتمع، فعندما تصادر النخبة الحاكمة أدوات القانون لصالحها وتمنع القانون العادل عن أفراد الشعب؛ يصبح المجتمع بلا غطاء قضائي أو قانوني، وبالتالي يفقد الغطاء الضروري للشعور بالأمن، فما يقوم به النظام لا يمثِّل ضررًا لجماعة الإخوان فقط، بل يمثل ضررًا لمجمل المجتمع المصري.



فحضور القانون ضروريٌّ لدعم الاستقرار، ويجب أن يحضر القانون في كل القضايا، وفي كل الأزمات، ومن الضروري أن تعيد السلطة الحاكمة حساباتها، فتجعل مكان الخصومة السياسية في المجال السياسي فقط، ولا تستخدم فيها أدوات الأمن، وحتى إذا كان المجال السياسي يفقد الحرية اللازمة، فهذا أهون ألف مرة من فقدان المجال العام لحكم القانون.

لقد عرف التاريخ حالة تغييب المناضلين من أجل الحرية خلف قضبان السجون، وخيرت الشاطر هو واحدٌ من هؤلاء المناضلين من أجل الحرية، فهو يدفع ثمن ما آمن به، ويدفع ضريبة الدفاع عن مشروع النهضة الحضارية الإسلامية الذي آمن به، ولا ينقص من قدر المجاهد أن يناله السجن ومصادرة الأموال، بل يزيد من قدره ويزيد من مصداقيته.

وسجن قيادات جماعة الإخوان المسلمين يمثل شهادة مصداقية من النظام للجماعة؛ بأنها تدافع عن فكرتها وتدفع ثمن ذلك، فالكل يعرف فكرتها ومشروعها، والكل يعرف أيضًا أن النظام خصمٌ قويٌّ للفكرة الحضارية الإسلامية، كما أن الغرب أيضًا في غالبه يعادي تلك الفكرة، ولكن المشكلة تكمن في حالة الشرخ الوجداني والإنساني والاجتماعي الناتج من غياب القانون وغياب العدل، فشيوع الظلم من علامات نهاية الأنظمة الحاكمة، والتمادي في تغييب القانون يؤدي إلى تفكُّك السلطة نفسها وتحلُّل مشروعيتها بعد أن غابت شرعيتها.

والسلطة الحاكمة لن تستطع تغييب فكرة، ولن تقدر على هزيمة مشروع، ما دام له صدىً لدى الناس أو حتي بعضهم، فلن تنتصر السلطة الحاكمة على خيرت الشاطر وإخوانه، فمن آمن بفكرة ودفع ثمنها هو الأقوى من الذي استغل السلطة واستخدم الأمن ضد خصومه، وبقاء خيرت الشاطر في السجن لكل هذه الأعوام يمثِّل دليلاً على عنف السلطة وقسوتها غير الإنسانية، وعلى خروجها المستمر على مقتضى القانون والعدل، وهو دليل إدانة في وجه سلطة لم تعرف كيف تواجه الفكر بالفكر والسياسة بالسياسة، ودليل إدانة لسلطة لم تستطِع تأسيس شرعيتها وسندها الشعبي، فخافت من كل من له شعبية وسند شعبي.



ولم يكن لدخول خيرت الشاطر السجن كل هذه السنين من مبرِّر إلا الانتقام، وكأنه تحرك بأسرع مما ينبغي ونشط بأكثر من المحتمل، حتى أصبح تتبُّعه صعبًا، والحد من نشاطه مستحيلاً، وهو أيضًا الانتقام من تجاوز الجماعة ما توقَّعت الحصول عليه من مقاعد في انتخابات مجلس الشعب عام 2005م؛ حيث توقَّعت الجماعة الحصول على أقل من 50 مقعدًا، وهي بالفعل كانت توقعات الجماعة، ولكن تجاوز الجماعة لما توقعته ليس ذنبًا، بل نتاجُ العمل الجاد بين الناس، ثم يحاسب الشاطر وإخوانه على تلك النتيجة التي صدمت السلطة الحاكمة.
لقد أصبح من الضروري غلق ملف الاعتقال غير الإنساني، وأصبح من الضروري الإفراج عن خيرت الشاطر وإخوانه، فلم يعُد المجتمع يحتمل كلَّ هذا الظلم، ولم يعُد يحتمل غياب القانون والعدل، فالظلم يحفر جرحًا غائرًا داخل المجتمع المصري، ويبني جدارًا من الاحتقان المزمن، ويفجِّر الغضب الكامن، فلا يمكن لمجتمع أن يعيش بدون الحد الأدنى من العدل؛ أي عدل القانون، ولا يمكن لمجتمع أن يصنع مستقبله وكوادره النشطة في السجون.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق