السبت، 9 نوفمبر 2013

من دروس الهجرة النبوية .. النصر والتمكين يسبقهما البلاء واختبار التضحية



كتب – فجر عاطف
الهجرة .. تغيير نحو الحرية ورفض لكل صور الإذلال والتبعية.
لا هجرة بعد الفتح وواجب الوقت البقاء فى بلادنا والثبات على الحق فيها.
• التوكل على الله والأخذ بالأسباب من أهم دروس الهجرة.
• نتعلم ألا نرضى بالدنيّة فى ديننا ودنيانا وأن نحيا أعزة كراما.
• على المسلم أن يبذل ويأخذ بالأسباب ولا يشترط على الله كيف تكون النتائج.
• مجدى عبد الغفار: ترك البلاد لا يكون إلا اضطرارا مع استمرار العمل لاسترداد الحقوق.
• محمد الدسوقى: الأمة مطالبة بالعمل لحماية كل مسلم فى أى مكان بالعالم.
• هاشم إسلام: الهجرة تعلمنا احترام الدساتير التى تختارها الشعوب.
قبل 1435 سنة أراد الله سبحانه وتعالى أن يرينا دروسا بالغة الأهمية عظيمة الأثر، فليس البلاء والاضطهاد وقسوة الحياة التى يعيشها الوطن بعد الانقلاب العسكرى الدموى حكرا علينا نحن الآن؛ بل عانى منها أشرف الخلق وحبيب الحق نبينا الكريم محمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم- فقد أوذى وتحمل العنت من أقرب الناس إليه، وهو الذى لم يحمل لهم سوى رسالة سلام وإخاء وعدل ومحبة، ومع ذلك فقد آذوه وأصحابه، حتى اضطروهم إلى الخروج من بلادهم التى هى أحب بقاع الله تعالى إلى قلوبهم مهاجرين إلى المدينة.

ومع عظم وكثرة دروس الهجرة النبوية ومرور ذكراها العطرة الشريفة علينا فى تلك الأوقات المهمة والعصيبة من عمر البلاد، رواد البعض تساؤلات مهمة منها": أليس من الأجدى لنا ترك البلاد حتى تستقر فيها الأحوال؟، ألا يصح أن نبحث عن متسع فى بلاد أخرى لا يُكذب فيها الصادق ولا يُخَوّن فيها المؤتمن؟!.

فى ردهم على هذا السؤال نفى العلماء بشدة استحضار حدث الهجرة بهذا التصور المباشر المقصور على ترك البلاد؛ مؤكدين أن هذا الترك حينها كان فريضة من الله تبارك وتعالى، وقد نُسخت تلك الفريضة بعد الفتح ولا مجال للحديث عنها الآن؛ وما بقى منها هو معناها الأهم من ضرورة العمل والجهاد بكل صوره من أجل أن تكون كلمة الله هى العليا.. وإذا كانت بلادنا الآن تعانى ضيقا ومحنة بعد الانقلاب العسكرى على الشرعية الدستورية والقانونية، فجهاد الفرض الآن هو البقاء عليها والثبات على مبادئ الإسلام فيها.

التحرر من الحرام

فى البداية، يقول الدكتور مجدى عبد الغفار -رئيس لجنة الدعوة بالجمعية الشرعية والأستاذ بكلية أصول الدين جامعة الأزهر-: إن الملاحظ فى الهجرة أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانت لديهم القدرة أن يهجروا ما يملكون طاعة لله تبارك وتعالى فقد تركوا خلفهم الأهل والولد والمال والتجارة، فضلا عن بلادهم التى أحبوها؛ فما الحال الآن بمن لا يستطيع أن يهجر ما لا يملك؟ أى أن كل متعدٍ على ما ليس له لو أنه هجره طاعة لله، لرأينا كيف تُرد الحقوق إلى أصحابها.

وأضاف عبد الغفار أنه إذا كان البعض يلفت النظر فى تلك الذكرى إلى معانٍ عدة للبذل والتضحية؛ فالحقيقة أنه وقبل هذا البذل يأتى التحرر من الحرام، ثم يأتى بعد ذلك التضحية فى سبيل ديننا ودعوتنا ودولتنا وإسلامنا وأمتنا بكافة الأشكال المتاحة، من المال مثلا أو الأوقات، أو حتى براحة البدن، وحتى نصل فى النهاية إلى التضحية بالنفس والعمر كلهم.

وحول الفكرة التى تراود البعض من ترك البلاد إذا ضُيق عليهم فيها، يرى عبد الغفار أن الهجرة كانت إخراجا للمؤمنين حين ضُيق عليهم من مشركين، أى أنهم خرجوا من بلاد الشرك إلى بلاد الإيمان، ولذا فليس كل من لاقى عنتا فى بلده الذى هو بلد إسلامى أن يتركه إلى غيره، والحديث النبوى فى ذلك واضح، فقد قال-صلى الله عليه وسلم-: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا".[متفق عليه]، ولكن إذا تربص بالفرد المتربصون، بحيث وجد صعوبة شديدة ونكدا فى العيش، فإذا وجد ملجئا ومخرجا لنفسه وحاله، فآوى إلى مكان آمن فلا حرج فى هذا.

ويوضح أن القاعدة هى أن يبقى الجميع فى أوطانهم يكافحون من أجل مصلحتها، فلو أن كل إنسان ترك بلاده من أجل مشكلاتها فلن يبقى للحق من يرفع رايته، ولذا فترك البلاد نتيجة التضييق لا يأتى إلا فى حالات اضطرارية شديدة، وشريطة العمل أيضا والإعداد من أجل استرداد الحق ولكن من مكان آخر.

عدم الرضا بالدنية

من جانبه، يوضح الدكتور محمد الدسوقى -أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة- أن الله تعالى قد أرانا فى الهجرة كيف أن نبيه المرسل يتعرض ولفترة طويلة فى وطنه إلى الاضطهاد والأذى، فيصابر ويتحمل حتى يأذن الله تعالى له بالخروج من أحب بلاد الله تعالى إليه وذلك فى رحلة شاقة مؤلمة؛ حيث قطع أكثر من 400 كم فى صحراء جرداء، وليس معه سوى صاحبه ودليل الطريق.

ويشدد الدسوقى على أنه، وإذا كانت الهجرة قبل الفتح فرضا على كل المسلمين، إلا أنها بعد ذلك قد أصبحت منسوخة، ولا يجوز إطلاقا لأى شعب مسلم مهما تعرض للاضطهاد والأذى أن يهجر وطنه، بل على الأمة كلها أن تعمل على حماية كل مسلم، فى أى مكان فى العالم، وهذا لن يكون إلا إذا توحدت كلمتها، وتعاونت فيما بينها، واتخذت شريعة الله دستورا لها، وبذلك تعيش عزيزة كريمة أبية، والله تعالى يقول: "وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ".

ويقول: ما نتعلمه من الهجرة هو ألا نرضى بالدنية فى ديننا ودنيانا، وأن نعتصم بحبل الله ونتعاون جميعا، حتى نظل أعزة كراما، ولا يكون لأى شخص أو لأى دولة مهما كانت مكانتها تدخل أو سلطان على شئوننا، فنحن أمة منحها الله تعالى أسباب العزة والقوة والإرادة الحرة، وإذا لم تحافظ على تلك المعانى فلن تكون خير أمة أخرجت للناس.

ويتابع الدسوقى أن التضحية ليست زيادة أو فضلا كما يفهمها البعض؛ وإنما فرض على كل مكلف أن يبذل كل ما يستطيع، فإذا كان المسلمون الأوائل قد هاجروا وتحملوا وتركوا متاع الدنيا خلفهم من أجل العقيدة التى آمنوا بها، وهو حدث شارك فيه الكبير والصغير، الرجل والمرأة، والشباب والشيوخ، فذلك يعنى أن الإنسان المسلم يظل مجاهدا أبدا فى سبيل الله تحت أى ظرف أو حال، والنبى -صلى الله عليه وسلم- يقول: ".. والجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة".[حديث مقطوع]، وهو جهاد يحرص على إقامة الحق والعدل والحرية، ولهذا الجهاد صور متعددة وليس شكلا واحدا، فمنه جهاد الكلمة والرأى والمال، فضلا عن جهاد العمل الجاد والإخلاص للأمة حتى تكون دائما كلمة الله تعالى هى العليا.. فليس من بين المسلمين إنسان فردى أنانى يسعى لمصلحته الخاصة وينسى هم الأمة ومصلحتها الكلية.

ويكمل الدسوقى: الإسلام الذى أكرمنا الله تعالى به يحتاج من أصحابه إلى إحسان عرضه أمام غيرهم؛ فالجميع يجب أن يعلم أن لدينا منهجا ينظم لنا علاقة الإنسان بخالقه وعلاقة الإنسان بغيره، فضلا عن علاقته بالأرض التى يعيش عليها، فى ثلاث دوائر تضمن له الحياة الكريمة بعيدا عن أخلاط وشعث الأفكار والأطروحات من هنا وهناك.

ومن معانى الهجرة التى يلفت الدسوقى لها النظر، احترام إرادة الشعوب وتحقيق الحرية والعدالة للجميع، ودليل ذلك من حدث الهجرة صحيفة المدنية، وهى الدستور الذى وضعه النبى -صلى الله عليه وسلم-، حيث نص على تمتع الجميع فيها بالحقوق والواجبات، فضلا عن مسئوليتهم فى حماية وطنهم. فالهجرة كانت البداية لإقامة دولة على أسس شرعية تحترم كرامة الإنسان وتحقق له مستوى لائقا من العيش، بحيث لا تصير طبقة تملك وتتمتع، وأخرى مسحوقة لا تجد ما تقتات به.

التوكل على الله

وحول دستور المدينة أيضا يضيف الشيخ هاشم إسلام -عضو ائتلاف علماء ضد الانقلاب وعضو الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين- أن النبى -صلى الله عليه وسلم- بذلك كان يضمن كرامة وحرية الإنسان، وهو ما يملح بضرورة احترام الدساتير التى تختارها الشعوب، وعدم العمل بدستور سارقى ومغتصبى الشرعية الذى لا يعبرون عن البلاد بأى حال من الأحوال.

ويشير إلى أن التوكل على الله سبحانه وتعالى، والأخذ بالأسباب مراعاة لهذا التوكل هما من دروس الهجرة المهمة، وهو ما فعله النبى -صلى الله عليه وسلم- فى خطته حين الإعداد والاختباء فى غار ثور، فى تدبير نقل الطعام وتكليف أسماء بنت أبى بكر بذلك، والحصول على المعلومات والأخبار والتى كانت مهمة عبد الله بن أبى بكر، والقضاء على الأثر عن طريق الأغنام التى يرعاها عامر بن فهيرة، وهكذا.. ولكن هذا الدرس يتبعه ويوازيه درس آخر، وهو أن النتائج بيد الله تبارك وتعالى، ولا يحق للمسلم أن يشترط على الله تعالى كيف تكون تلك النتائج، ولكن عليه فقط أن يبذل وسعه وأن يتخذ من الأسباب كل ما هو ملائم ومناسب.

ويقول إسلام: نلمح فى درس الهجرة أيضا كيف أن الله تعالى وهو القادر على أن يجعل تلك الرحلة تمضى مثل معجزة الإسراء؛ إلا أنه سبحانه أراد أن يعلمنا أن نُغير أولا حتى يحق علينا التغيير من قبل الله تعالى، فهو القائل: "إن اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ‎". ومن ناحية أخرى فالنبى –صلى الله عليه وسلم- رفض التبعية والذلة التى كان يريد أهل مكة أن يفرضوها عليه وعلى الأمة، ولذا كانت تلك الهجرة تغيرا نحو الحرية ورفضا لكل صور الإذلال والتبعية للبشر؛ ولذا قال النبى -صلى الله عليه وسلم-: "ومن أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس منا".[رواه الطبرانى].

ويضيف: فعلى الأمة الآن أن ترفض تلك الذلة التى يحاول أن يفرضها عليها الانقلابيون، وأن يعلو صوت كل حر بالقول إن محاكمة الرئيس الشرعى محمد مرسى باطلة شرعا وعرفا وقانونا، لأنها محاكمة لإرادة الأمة ورئيسيها الشرعى بغير وجه حق، بل ما يجب شرعا هو محاكمة كل قادة الانقلاب بتهم الخيانة العظمى والتطهير العرقى والإبادة الجماعية.

ويتابع الداعية الإسلامى: من ضمن دروس الهجرة كذلك أن قداسة الدين والعقيدة فوق كل اعتبار، ولذا قال تعالى: "قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِى اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" [التوبة: 24]. وهذه القداسة تعنى أنه لا حب يعلو فوق حب الله، وأن الخشية أو الخوف لا يكونوا إلا من الله وحده، وكذلك أن الولاء لا يكون إلا لله ورسوله وللمؤمنين، وهو ما يجب أن تلتفت إليه الأمة اليوم فلا يكون تحالفها أو ولاؤها أو حتى خشيتها من الصهيونية أو الماسونية أو الشيوعية، ولا أعوان هؤلاء من الانقلابيين الدمويين فى الداخل.

ويكمل إسلام حديثه عن الهجرة: بأن الهجرة كانت أيضا بمنزلة الإعداد للنصر والسيادة، فقد مكنت لدولة الإسلام ليس فقط فى محيط شبه الجزيرة، ولكن أيضا فى الفتوحات الشاسعة بعد ذلك والقضاء على إمبراطوريات الفرس والروم، وهو ما يجعلنا نقول إن ما يحدث فى مصر الآن هو كذلك بمنزلة هذا الإعداد لذلك الشعب ووضعه على أعتاب النصر العظيم، ليس فقط على هؤلاء الانقلابيين، وإنما سيمتد بعد ذلك بإذن الله ليشمل تحرير المسجد الأقصى ورفع راية الإسلام فى الأمة بأسرها.

وحول من يتذرع بفكرة ترك الوطن تأسيا بالهجرة، يقول ائتلاف علماء ضد الانقلاب إن الفارق كبير، فالنبى –صلى الله عليه وسلم- قد هاجر من مجتمع مشرك محض واتجه لبناء دولة الإسلام، أما نحن الآن فى مصر ففى قلب العروبة والإسلام، ولذلك ينبغى لنا أن نثبت، فالمؤامرة هى لتغيير هويتنا وعلمنة البلاد، وإفساح المجال لعقائد وأفكار الغير؛ لذا لابد من المكوث والمجاهدة المشروعة من أجل استعادة الشرعية، وهذا فرض عين على الجميع. فكيف لأهل الخير أن يخرجوا ويتركوا بلادهم نهبا لأعوان الصهيونية ومن على شاكلتهم من كل القوى المعادية للإسلام، وبالطبع فهناك حالات اضطرارية واستثناءات خاصة للبعض وهذه تقدر بقدرها، ولكنها لا يصح أن تكون هى الأساس والقاعدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق