السبت، 1 مارس 2014

قصة صمود : صبرا آل البلتاجي .. فإن موعدكم النصر


نافذة مصر
شاهدة عيان تروي قصة صمود آل البلتاجي في زيارة لبيتهم
استقبلتنا بمحياها البشوش , ووجهها السمح , وعيني أسماء .. علامات قوة وصمود تخفي وراءها تسليم الأمر لصاحب الأمر .. ابتسامات متناثرة بين أجزاء الكلام , تخفي خلفها دموع الفراق
هكذا استقبلتنا السيدة المبجلة / سنــاء , زوجة الدكتور / محمد البلتاجي ( فك الله أسره ) وأم الشهيدة / أسماء محمد البلتاجي (رحمها الله وأسكنها فسيح جنانه ,وجمعنا بها في مستقر رحمته ) حكت لنا قصة زيارتها للدكتور /البلتاجي , في سجن العقرب , وما أدراك ما العقرب !!
تقول : ذهبت أنا وأنس (الأخ الثاني للشهيدة أسماء ) لزيارة الدكتور / محمد البلتاجي في سجن العقرب , وكنا لم نتمكن من زيارته منذ مدة طويلة - عدة أسابيع تقريبا - .وعندما وصلنا إلى السجن وعند البوابات الضخمة , استوقفني أحد العساكر سائلا إياي :ما الذي تضعينه على حجابك !؟ قلت له وبكل قوة : دبوس عليه صورة ابنتي أسماء التي قتلتموها .. فسكت ثم قال
لقد لاحظ أحد الضباط في برج المراقبة شيئا في ملابسك وكان يجب أن نتأكد .. هممت بالدخول من الباب الخاص بالمعتقلين السياسيين فاستوقفني آخر وقال : لا , من هذا الباب , يعني باب الجنائيين ..فانتفضت وصرخت في وجهه : لا , سأدخل من هذا الباب , زوجي معتقل سياسي وليس جنائيا.. فقال : لا , جنائي .. فقلت : لا , بل معتقل سياسي .. ولن أدخل إلا من هذا الباب ..وصممت على موقفي وقلت له : اذهب واسأل المأمور !!

ذهب العسكري وتحدث مع المأمور قليلا , ثم عاد .. وأدخلها من باب المعتقليين السياسيين ,في أبهى صورة من صور انتصار الرجولة الأنثوية , على حقارة أشباه الرجال.. تقول : دخلت السجن من بوابات إلكترونية , وكان يبدو السجن وكأنه تم إعداده حديثا وتزويده بأجهزة تفتيش ومراقبة متطورة .. وعندما وصلت إلى المكان الذي سيتم فيه الإلتقاء بالدكتور / محمد , وهو عبارة عن غرفة ذات حجرتين يفصلهما زجاج .. وقف الدكتور البلتاجي في إحدى الناحيتين , وزوجته وابنه في الناحية الأخرى وسط حراسة مشددة من الناحيتين , تقول : "


كان زوجي الدكتور / محمد مجهدا بصورة لم أره عليها من قبل , وأخبرني أنه مضرب عن الطعام منذ يوم السبت 21-12-2013 , لا يتناول في يومه كله سوى شربة ماء مع آذان المغرب وقبل آذان الفجر , فهو صائم لا يفطر إلا بشربة ماء .. وقال إن سبب إضرابه عن الطعام هو سوء المعاملة التي يتعرض لها هو بالذات والقسوة الشديدة من رجال الأمن وأيضا وضعه في زنزانه انفرادية غير آدمية, إن صح التعبير , ولا يوجد بها أي منفذ لهواء أومصدر لشمس , حتى شراعة الباب التي كان يدخل منها الهواء أغلقت , فأصبح ينشد مصدراً للهواء الصالح للتنفس من تحت عتبة باب الزنزانة ..ولا يسمحون له كذلك بالخروج من زنزانته كباقى المعتقلين في الأوقات المخصصة لذلك
وقد تلقى عدة تهديدات ليتوقف عن إضرابه عن الطعام .. وحرصت السلطات على التكتم على خبر إضرابه عن الطعام حرصاعلى عدم إثارة الرأي العام وثورة الشباب .. وقد كان بحوزتنا بعض العصائر والألبان تم رفض إدخالها بالطبع
ولكنه عندما دخل غرفة الزيارة , بدا ثابتا ثبات الجبال الرواسي, وكان يتكلم بكل ثقة كعادته , لم تزد مدة الزيارة عن ثلاث دقائق تماما , كان الحراس الذين يقفون وراءه يرتعدون خوفا مما قال .. وقد وجه رسالته إلى الشعب في عدة نقاط من مأسره ,كان فيها : "أن يحرص الشعب على مقاطعة دستور الإنقلاب .. والثبات على الحق في مواجهة الطغيان والصبر" .. لم يطل اللقاء , ولكن كان له مابعده .. فبمجرد خروج الدكتور / محمد إلى زنزانته حتى ثارت السيدة الفاضلة وابنها على من كان واقفا معهم من الضباط والعساكر وارتفعت أصواتهم بعبارات منددة لما يحصل مع الدكتور البلتاجي , تقول : أخذنا نصرخ فيهم : حسبي الله ونعم الوكيل .. ألم تروا مصير من كان قبلكم , هو في أسره كبير وأنتم صغار , هو عزيز وأنتم أذلاء , حتى كدت أقول لهم : هو أسد وأنتم ..لم أجد تعبيرا مناسبا .. جرذان !! فئران !! صراصير !! المهم .. أحدثنا ضجة كبيرة في السجن , وهو أمر غير عادي في سجن العقرب , إذ أن الحراس أنفسهم في هذا السجن يهمسون إلى بعضهم البعض بالكلام

سجن يسوده الصمت والغربة والظلام . ارتفع صوتي , لا أعرف كيف ! منحني الله –سبحانه – من الشجاعة ما أقف به أمام هؤلاء وأصرخ فيهم , لعل منهم رجل رشيد , ولكن هيهات .. وكان جل ما أخشاه هو أن يصل صوتي عبر حيطان الزنازين إلى زوجي الدكتور /البلتاجي فيخشى علينا من أذيتهم لنا , ويستطيع العقل أن يتخيل على مثل هؤلاء أبشع صور الوقاحة واللا آدمية في معاملة الأحرار والحرائر . إلتف حولنا ما يقرب من خمسين رجلا ما بين ظابط وعسكرى ومأمور وحاولوا إرغامنا بالقوة على الخروج من السجن , ونحن نتحرك ذهابا و إيابا في محاولة لاستغلال كل ثانية لايصال أصواتنا , وإظهار قوة الحق وعدم الخنوع لهم , والنحت في قلوب صمّت فهيكالحجارة أو أشد قسوة

ما أدى إلى استدعاء مأمور السجن , لحارسة برتبة رقيب ( تقريبا ) , وأمرها بمحاولةإخراجي بالقوة , ورغم ثباتي على موقفي, إلا أنها كانت امرأة غليظة قاسية , لا أعرف من أين جاءت بهذه القوة ولكن يبدو أنهم مدربون جيدا , أخذت تدفعني بقسوة حتى مزقت أجزاء من حجابي , وأوقعتني أرضا , وأنا أقول لها : هيا اضربي , فبمجرد خروجي من هنا ستحصلين على ترقية ,.. والتفت إلى رزمة الرجال الذين كانوا يقفون حولنا وأخذت أصيح بهم : لو كان فيكم رجلا عنده ضمير , ما رضي بما يحصل معي الآن .. ثم التفت من واحد لآخر أترضى ذلك لأختك ؟!أترضاه لأمك ؟! أترضاه لزوجتك !! بالطبع لم يجرأ أحدا على رفع رأسه .. ما كان منهم سوى أن أشاح كل منهم بناظره إلى الناحيةالأخرى .. ظلوا يدفعونني حتى أخرجوني خارج بوابات السجن , بينما احتجزوا أنس

أدركت أنني لو تركته هناك , فلن نعود معا للبيت , أخذت أطرق على بوابات السجن الحديدية بشدة ,وأنا أصرخ وتتعالى صيحاتي : أخرجوا ابني .. أريد ابني .. لن أذهب بدونه .. أخرجوا ابني !! فُتحت بوابات السجن وقالوا لي : تريدينه !؟ إذن تعالي معه .. ادخلوني فقلتلهم : أريد أن أكون معه في ذات المكان الذي يوجد فيه , قالوا : لا , طبعا !! وإذا بالمأمور ينادي في حدة : يااا سنــــــآااااء , فالتفت إليه وقلت له في ردة فعل شديدة : مع من تتكلم ؟!! قال : أنادي الحارسة .. قلت : والحارسة أيضا اسمها سناء ,إنها المرة الأولى التي أكره فيها اسمى إلى هذه الدرجة .. أمرها الضابط بكتابة محضر تشكوني فيه إلى النيابة بتهمة الإعتداء عليها وضربها وتكسير عظامها .. وأنها الآن -المسكينة - ترقد في المستشفى لا حول لها ولا قوة

. وأنا الإرهابية زوجة الدكتور / البلتاجي قد ذهبت للتعدي على أفراد الأمن في أوكارهم .. ماهذا الهراء !! أنا المعتدى عليها , ثم يتهمونني بضرب الحارسة !! حسبي الله ونعمالوكيل .. احتجزوني في إحدى الغرف إلى أن يحين موعد انتقالي للنيابة , وجلبوا حارسة أخرى لتبقى معي مدة الإحتجاز .. وأثناء بقائي معها , أخذت أحدث صورة أسماء.. ذلك الوسام على صدري .. كان جل ما يؤثر في نفسي هو أنني كنت أتخيلها حزينة لما يحدث معي .. وكأنها ترى وتسمع .. أخذت أقول لها : لا تحزني يا أسماء , إن اللهمعنا .. قتلوكي يا ابنتي واعتقلوا أباك .. ليس لنا سواك يااارب .. اللهم فلتشهد أنا قد خرجنا في سبيلك ونصرة لدينك !! يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اتهموك بأنك قاتل و مجنون وساحر , ماذا نكون بجوارك يا رسول الله !؟ تقول السيدة الفاضلة: مع أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم لم يتهم بالقتل .. إلا أن هذا ما قلته وقتها , وكان الله بحالي عليم, تتابع :اتهمونا بالإرهاب يااارب , وأنت – سبحانك – تعلم أننا قد ربينا أبناءنا على حب الأوطان والإستماتة في الدفاع عنها

ثم تذكرت زوجي الدكتور / البلتاجي فأخذت أقول : اصبر يا دكتور/ محمد .. سيطعمك الله ويسقيك , كما أطعم السيدة مريم وسقاها.. اصبر واحتسب إن الله مع الصابرين .. أخذت أردد كلماتي والسيدة تستمع , وكانت تتأثر أحيانا بما أقول , ثم تدخلت قائلة :ولكنكم قتلم منذ عدة أيام ثمانية مجندين في تفجير مديرية أمن الدقهلية !! فقلت لها: نحن لم نقتل أحدا !! من برأيك قتلهم ؟ المعتقلين في السجون ؟ أم المصابين أمالشهداء ؟ إذا كان الإعلام الكاذب ورؤساءكم قد أوهموكم أن الإخوان المسلمين إرهابيون يقتلون الناس , فهم كاذبون .. فلماذا لا يلقون القبض على الفاعلين ويحاكموهم , ليروا إن كانوا إخوانا أم لا ؟! هاهو الله قد ساق إليك ما حدث معي اليوم لتعرفي الحقيقة .. لم أفعل شئ لتلك الحارسة ومع ذلك اتهموني بضربها والإعتداء عليها .. اتهامات دون دليل أو شهود !! حسبي الله ونعم الوكيل . تقول السيدة الفاضلة : رغم أن هذه الحارسةكانت معروفة بشدتها إلا أنها بكت عندما سمعت ذلك بكت.. قلت لها : عطلتك معي !! قالت :لا , يا حبيبتي .. لا عطلة ولا شئ . لم أفكر حينها إلا في قول سيد الأنام - صلى الله عليه وسلم - " لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حُمُر النعم" لعل الله سبحانه يهديها إلى الصواب.. " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء "

قضينا تلك الساعات هناك في سجن العقرب حتى حان موعد إنتقالنا إلى النيابة حيث يتم التحقيق معنا . خرجنا فإذا سيارة شرطة مصفحة في انتظارنا بالخارج .. ورغم أنني لم أستبعد الأمر إلا أنني تظاهرت بالإندهاش لرؤية السيارة المصفحة , وقلت لهم باستنكار : من سيركب هذه السيارة !؟ أنا لن أركبها بالتأكيد !! ألا تعرفون من أكون!؟ ويبدوا أنهم جميعا كانوا يريدون انهاء هذا الأمر , فقال أحدهم في شدة : لا ,ستركبين هذه السيارة .. هيا يا مدام !! وأخرجوا أنس وقد وضعوا الكلابشات في يديه .. وكانوا قد أحضروا لي كلابشات أيضا ..وصرخت فيهم : لمن هذه الكلابشات
لن تضعوا هذا الشئ في يدي !! أنا لست مجرمة ولاجنائية حتى يحدث لي هذا .. عندئذ تدخلت الحارسة التي كانت ترافقني , وقالت : لا ,لا تضعوا الكلابشات في يديها , وأنهت الأمر .. ركبنا السيارة المصفحة وأخذت أحدث أنس قائلة : لا تخش شيئا يا بني , ماذا سيفعلونبنا أكثر مما فعلوا ؟! قتلوا أختك واعتقلوا أباك .. ماذا سيفعلون أكثر من هذا ..فرد علىّ قائلا : لا يا أمي لست خائفا .. لقد خفت عليك فقط .. فقلت له : اطمئن ..سينصرنا الله عليهم فهو يرى ويسمع .. وظللنا ندعو على الظالمين ونعلي صوتنابالدعاء " إنه سميع مجيب ". وصلنا إلى قسم المعادي حيث كانت النيابة في انتظارنا , وعدد من الضباط , دخلنا القسم في عدد مهيب من رجال الأمن , سبحان الله , أهذا كله من أجل أم وابنها ذهبا لزيارة أباهم الأسير ؟! دخل وكيل نيابة , يبدو ذا رتبة عالية , وكانوا قد أعدوا محضر سابق , جاء فيه أنني قمت بالإعتداء على الحارسة في السجن , وطلب مني التوقيع عليه .. لم أبالي بالأعداد والذعر والإعدادات الأمنية و ال .... وكل ما فعلوه منأجل إضفاء روح الهيبة على الموقف , ومحاربة الإرهاب المحتمل !! فقمت بالرد عليه بكل قوة : علام أوقع !؟ هذا كله كذب وافتراء
لم أعتدي على تلك الحارسة .. هي من قامت بالإعتداء علىّ .. ومزقت ثيابي !! إلا ترى ذلك . قال : إنها الآن تقبع في مستشفى كذا .. محطمة مهشمة تعاني من كذا وكذا , وأنت تقفين أمامي الآن .. قلت : هذا كله كذب ! لم أقم بالإعتداء على أحد .. وهذا كله تزوير في الأدلة والشهادات .. وأنت تعلم ذلك !! ثم إنني أعاني أيضا من الآم جسدية جراء الضرب والسحب والدفع وما إلى ذلك .. قال : هل تريدين أن نحضر طبيبة , ونحرر المحضر بذلك . قلت : لا , ولكن الظلم لايدوم .. وأنت تعرف أن هذا كله كذب وتلفيق , زوجي معتقل , وهو مضرب عن الطعام منذيوم السبت ولم يبلغوا حتى مسئولي مصلحة السجون بذلك .. وهو يعامل أسوء معاملة دونالآخرين .. ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل , إلى أين ستذهبون من الله !! فقام باخراج الجميع , ثم قال لي : ليس الجميع سيئا ..هناك شرفاء حتى في الداخلية.. أنت امرأة قوية , ولكن يجب أن تصبري قليلا .. ثم قال : عليك أن توقعي على المحضر وسوف يتم إطلاق سراحكما بكفالة خمسة الآف جنيه لكل . فقلت : خمسة الآف جنيه !! من يدفعها .. نعم !! أنتم تدفعونها لي تعويضا عن الإهانة والضرب والإتهام الباطل .. قال : لنكن واقعيين يا مدام !! لقد فعلت ما لا أعرف عقباه .. لا تحرجيني أكثر .. ثم انتهى الأمر بدفع الغرامة ,واطلاق سراحنا , بفضل الله سبحانه , واستقبلنا الأحبة أمام القسم بالترحاب . خرجا من هناك , وتركا كثيرا من الأحرار يقبعون خلف قطبان الزنازين , يؤكدون صمود هذا الشعب في مواجهة الطغيان والدولة العميقة التي عادت بأبشع صور التعدي وسلب الحريات , والجور وهتك الأعراض .. نظاما ينفذ مخططا صهيونيا , قد يودي بمصر إلى درب لا قرار له .. وينقاد العميان خلفه كثور مربوط في ساقيه .. لا ينفك يتحرر منها .. إلا إن الله - سبحانه -حافظها بأمره , ثم بإرادة شبابها البواسل الذين أدركوا أن حب الأوطان من حب الدين ..فدافعوا عنها بأغلى مايملكون من نفائس الأرواح , وأرخصوا من أجلها الغالى .. فسالت دمائهم الطاهرة تروي أراضينا العطشى ..يهتفون بالإسلام دينا , وبمحمد قائدا ورسولا .. وطالما بقي فينا مُوحّد , يؤمن بالقضية , ويحمل عبء الأمانة التي حملها الإنسان ..فما زال أمل يسري في دم كل مسلم غيور بعودة الحق , و مجئ النصر الموعود " إنالننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " ولا تستهينوا بالدعاء والصلاة , فالدعاء والقضاء يلتقيان مابين السماء والأرض فيلتعجان - أي يتصارعان
فأيهما غلب , والأقوى فيهما يقع .. فسددوا وقاربوا وأبشروا بنصر قريب (إن شاء الله ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق